الصفة الثالثة: أن
أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكتاب كله، ويدخلون في الدين كله، كما أمر الله تبارك وتعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))[البقرة:208]، والسلم: هو الإسلام، والمعنى: أن ندخل فيه كلنا؛ دخولاً كلياً حتى يكون الدين كله لله، هذا احتمال.
والاحتمال الآخر: أن ندخل فيه كله، فنأخذه من جميع جوانبه، وكلاهما حق، وكلاهما مطلوب، فـ
أهل السنة والجماعة لا يبطلون بعضاً من الدين ليقيموا البعض الآخر؛ خلافاً لأهل البدع، فإن
الخوارج -مثلاً- يأخذون النصوص الدالة على الوعيد لأهل الكبائر، وعلى شناعة الذنوب، ولكنهم يتركون جانب الوعد، وفي المقابل جاءت
المرجئة فأخذت جانب الوعد وأظهرته وأبرزته، وتركت وأهملت جانب الوعيد، فأهل البدع يقيمون شيئاً من الدين، ويتركون شيئاً آخر، لكن
أهل السنة والجماعة يأخذون بأحاديث الوعيد وآياته وكذلك الوعد، ويجمعون بينها جميعاً، ويؤمنون بها جميعاً؛ فإذاً: هم يؤمنون بالدين كله.
وكذلك في باب القدر؛ فمنهج
أهل السنة والجماعة وسط بين
القدرية و
الجبرية، فإن
القدرية أخذوا بالنصوص الدالة على أن العبد هو الفاعل، وهو المسئول عمَّا عمل، وكل دليل يدل على مسئولية العبد ومؤاخذته على أعماله أخذوا به وأبرزوه؛ لكنهم تركوا النصوص الكثيرة الدالة على أن الله تبارك وتعالى قدَّر أفعال العباد، وكتبها وخلقها.
و
الجبرية بالغوا في إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق أفعال العباد، وهو الذي يدبرهم، وهو الذي يصرفهم؛ حتى جعلوه هو الفاعل لأفعال العباد، فغلوا في ذلك، وتركوا الجانب الآخر، وهو النصوص التي تدل على أن العبد مسئول ومؤاخذ عمَّا عمل، وأنه يعمل بإرادته ومشيئته واختياره.
وكذلك الموقف من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فـ
أهل السنة والجماعة يثبتون فضائل الصحابة جميعاً، فيثبتون كل ما صح من فضائل
أبي بكر و
عمر و
عثمان و
علي، وغيرهم من الصحابة، أما
الروافض فيبالغون في
علي وآل البيت ويقتصرون عليهم فقط، ويختلقون لهم الفضائل، وفي المقابل يبغضون بقية الصحابة، ويسبونهم ويكفرونهم، ويجحدون وينكرون ما ثبت من فضائل لـ
أبي بكر و
عمر و
عثمان رضي الله تعالى عنهم.
وقابلتهم
الخوارج، فجحدوا كل فضيلة لـ
علي رضي الله تعالى عنه وكفروه، وأنكروا نصوصاً صحيحة في فضله.
وأما
أهل السنة والجماعة فهم مقرون بفضلهم جميعاً رضي الله عنهم، وهم يثبتون ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به جميعاً. فأعظم صفة من صفاتهم: الإيمان بالدين كله، فلا يردون شيئاً منه.
مثال آخر في باب الصفات: الذين نفوا صفات الله تعالى وقصدوا بذلك التنزيه وبالغوا في التنزيه، واستدلوا بقوله تعالى: ((
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]، قالوا: فما دام أنه ليس كمثله شيء، فلا نثبت له اليد، ولا الوجه، ولا النزول، ولا العلو...؛ لأن هذه من صفات المخلوقات المحدثات الممكنات.. إلى آخر ما يقولون، فأخذوا بذلك التنزيه، وأولوا النصوص الدالة على الإثبات، وجاء في المقابل
الممثلة أو
المشبهة، الذين غلوا في إثبات الصفات، وتركوا النصوص الدالة على التنزيه.
وأما
أهل السنة والجماعة فإنهم آمنوا بالجميع، فقالوا: إن الله تعالى يقول: ((
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى:11]، فـ(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) تنزيه عن المماثلة، وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إثبات للصفات، فهم يثبتون الصفات وينفون عنه المماثلة، وهذا منهج متوازن؛ لأن
أهل السنة يؤمنون بالدين كله، ولا يردون شيئاً منه.